Wednesday, October 28, 2009

أنا و منظمة التحرير الفلسطينية ..


أعرف أنني تأخرت كثيراً في تبني موقف واضح من منظمة التحرير الفلسطينية (بعد اتفاق غزة وأريحا ) ، لم يكن الباعث علي ذلك التباس فكري ، أو حتي شبه تأييد لمواقف ياسر عرفات (أبو عمار ) رحمه الله ، ولكن لم يمنعني غير المرض.
هذا المرض الذي يصيب كثير من الوطنينن ، هو الاعتياد والألفة وتقديس الزعماء ...
أذكر جيدا هذا اليوم الأول الذي أواجه فيه العمل العام ...
كنت في هذا الوقت طالباً في الصف الأول الثانوي ، بالمدرسة الناصرية الثانوية ،
في هذا العام كنت انتهيت من حفظ خمسة عشر جزءا من القرآن علي يد شيخي السلفي المتعصب الأستاذ حامد الذي كان أحد المجموعة المؤسسة للمدرسة السلفية بالإسكندرية ( كانت تسمي بذلك في ذلك الوقت ولم يتغير اسمها إلي الدعوة السلفية سوي في منتصف التسعينات )، كان الشيخ حامد أخصائي اجتماعي بالمدرسة وقد تعرفت إليه أثناء حضوري دروس الدكتور أحمد فريد في الرقائق والدكتور عماد عبد الغفور في أصول الفقه بمسجد عباد الرحمن الذي كان منطلق الدعوة السلفية في الاسكندرية ، كنت وقتها صبياً لا يتجاوز الخامسة عشرة ، بينما كان كل هؤلاء المشايخ شبابا يافعا تخرج من الجامعة لتوه يشتعل الصراع بينهم وبين جماعة الإخوان المسلمين ، كانوا يفتخرون متطاولين يأنهم أهل العلم وتلاميذ الأئمة ابن باز والألباني وعبد الرحمن عبد الخالق ، وهكذا كنت أنظر لهم .

دعاني أحد الإخوة من المدرسة ( بالصف الثالث ) إلي أن نقيم معرضاً عن فلسطين ( وكان الحدث قصف مقر منظمة التحرير في تونس بالطيران الاسرائيلي ونجاة أبوعمار )، ونعرض فيه صور لمذابح صبرا وشاتيلا ( لم يشغلني أنني كنت أؤمن وقتها بتحريم التصوير الفوتوغرافي تبعا لمشايخي السلفية ، لأنني كنت أحتفظ وقتها بصورة كبيرة في حجرتي لخالد الاسلامبولي قاتل السادات ، هي عبارة عن نصف صفحة من الجريدة العادية قمت بادخار ثمن برواز لها من مصروفي ، وكان أبي يغار منها فقد كنت أرفض وضع صورته في حجرتي لأن التصوير حرام ، أما خالد فشئ مختلف فكنت أراه رمزا لا صورة ) وهكذا كانت نظرتي للمعرض ،

سألت صديقي الذي كان يدعوني لعمل المعرض : ومن أين سنأتي بالصور والأعلام ؟ .
أجابني : من المنظمة . منظمة إيه ؟ . منظمة التحرير الفلسطينية .
وده ازاي ؟.
نروح مقر المنظمة في اسبورتنج ، ونقول لهم محتاجين مواد لمعرض عن فلسطين في مدرسة ثانوي .
كانت المرة الأولي التي أري فيها علم فلسطين خارج نشرة الأخبار أو الصحف .
أحسست بهيبة وقدسية تأخذني حين الدخول الأول من باب مقر منظمة التحرير الفلسطينية ، في المواجهة علم فلسطين مفرود علي الحائط ، وتحته صورة كبيرة لأبو عمار ياسر عرفات وعلي رأسه الحطة الفلسطينية والعقال ، مكتوب فوقها :
أبداً لن نركع ... مادام لنا طفل يرضع


تلقفنا الإخوة الفسطينيون القائمون علي المنظمة بأكثر مما كنت أتوقع من الحفاوة ، ( وخاصة أنني كنت لا زلت في شكل الأطفال ) ، كان أحدهم عرفنا علي نفسه بقوله : أنا فلان – لا أذكر اسمه – قولولي يا بو رافع .
بعدها كانت تتمثل أمامي صورة أبو رافع كثيرأ وأحاول أن أتصور مشاعره بعيدا عن أهله وهو يحكي عن من مات من أصدقائه وأهله ومن هو في العراق ومن في الأردن ومن في تونس – حيث كان مقر المنظمة وقتها ومقام القائد المجاهد أبو عمار بعد نقلها من بيروت .

رفضت إدارة المدرسة السماح لنا بعرض معرضنا في فناء المدرسة ، ذهبت لشيخي طالبا المساعدة حيث كانت له كلمة مسموعة ومعتبرة لدي ادارة المدرسة ، من حيث هو شيخ ومن هو اخصائي اجتماعي يعمل بالمدرسة ، واجه الشيخ حامد طلبي بالرفض وقال لي : أنت أهم حاجة دلوقتي إنك تختم المصحف ،
وسألني أنت وصلت لحد فين في نيل الأوطار مع الشيخ : علي فرج الله ( وكان الشيخ علي مهندسا كهربائياً هو القائم علي تعليمي الفقه وعلوم الحديث )
أجبته : خلصنا حديث حكم المصراة من كتاب البيوع ..
ثم سألته يعني يا شيخ انت مش حتقف معانا في المعرض لما نعمله .
فأجابني : لا . أحنا بنقول بالتزكية الأول ، يعني لازم تتعلم الأول وبعدين تبقي وقتها تشتغل في السياسة زي مانت عاوز .
قمت وأنا أهز رأسي .، طيب بعد إذنك يا شيخ ، وحين وصلت لباب الحجرة توقفت وسألته : طب مانت يا شيخ اتعلمت ما شاء الله عليك ، يبقي مش حتقف في المعرض ليه .
- هذه كانت المفارقة التي فكرت بعدها في السفر إلي أفغانستان ، حال بيني وبين الفكرة صغر سني .
أقمنا معرضنا علي باب المدرسة و رفعنا علم فلسطين فوق لوحة اسم المدرسة ، لحظات واجتمع حولنا كتائب من الأمن المركزي ، وحتي الآن لا زلت أذكر أن أول لافتة رفعتها في الطريق العام كانت صورة ياسر عرفات وأول هتاف رددته ومن حولي جنود الأمن المركزي بينما أنا صبي في الأول الثانوي كانت كلمته (لن نركع أبداً لن نركع – مادام لنا طفل يرضع )


كنت في هذا العمر أقضي وقتا طويلا في فراشي فبل أن أنام ، فكل ليلة لابد أن أراجع جزءاً كاملا من القرآن ، وأتتم حفظ الجديد ، ثم أضع مصحفي بجانبي علي الوسادة ، وأستلقي لتأخذني الأفكار لأماكن مختلفة من العالم ، في هذه الفترة كانت تسيطر عليّ صور الأطفال الممزقون من أبناء مخيمات صبرا وشاتيلا ، قبضة ياسر عرفات الضاربة في سماء الكون وهي تهتف لن نركع ، مسدسه الذي لا يفارق جنبه كشعار لاستمرار النضال من أجل فلسطين .
أسترجع أسماء حفظتها وأحببتها مثل أبو إياد وأبو نضال ودلال المغربي وناجي العلي وماجد أبو شرار

و لوقت طويل ظلت هذه الأيقونة في قلبي لا أستطيع تحطيمها ، ولا أدري كيف استطاع أبو عمار نفسه تحطيمها بالإبقاء علي منظمة التحرير كمتحدث باسم الشعب الفلسطيني ، بينما هو في الوقت ذاته يذبحها في أوسلو .
لقد كنت أتجنب الكلام عن قضية الحدود والاعتراف بالكيان الصهيوني ، حتي لا أضطر إلي الاعتراف بأن منظمة التحرير انتهت يوم قبلت الاعتراف باسرائيل و أن تأخذ مقابل ذلك حق الحكم الذاتي لرقعة صغيرة من أرضها ...

No comments: