
لا أنكر أبداً أنني كنت أحد الذين تسببوا في أن تصل الأوضاع داخل حركة 6إبريل إلي ما وصلت إليه الآن من خلاف و شقاق و ضعف وصل إلي حد وجود حركتين بذات الاسم ، ولا يمكن تسمية ما حدث ( بالوصف العام ) سوي بالمهزلة ..
ويوجب عليّ ضميري الوطني وشرفي الثوري أن أتقدم بهذا الاعتراف العلني ، لعله يوقظ أشخاصاً كثيرين لا أحسب فيهم إلا البراءة والإخلاص والحرص علي مصلحة الوطن .
لم أُخفِ يومًا توجهاتي ولا قناعاتي الفكرية بأننا نواجه صراعاً اجتماعياً ناتج عن استئثار طائفةٍ من الشعب بالثروة والسلطة ، هذه الطائفة تستغل وضعها هذا في استغلال عموم الشعب .
هذا الصراع الاجتماعي الذي أحد أركانه الرئيسية الصراع الطبقي بين أصحاب رؤوس الأموال والطبقة العاملة التي لا تملك سوي قوة عملها فتبيعها لهم كسلعة تخضع للعرض والطلب ( حسب السوق الحر).
لم أُخفِ هذا أبداً ولم أدّعِّ سواه ولكن كان هدفي الوحيد من خلال الحركة هو صياغة جبهة وطنية موحدة تضم كافة المخلصين الوطنيين من الشباب المصري أياً كانت توجهاتهم سعياً للخلاص من الحكم الديكتاتوري الفاسد وصولاً إلي حكومة ديمقراطية تكفل حريات اجتماعية وسياسية حقيقة لكل الشعب عن طريق العصيان المدني العام .
لقد كنت أصر منذ البداية علي أن الحركة تهتم بما هو داخلي فقط وبالمصلحة المباشرة للفئات الشعبية المقهورة الصامتة ، وأن دورنا في التغيير يختص فقط بالحريات الاجتماعية والسياسية والحقوق الاقتصادية للمصريين في مواجهة طغيان النظام الطبقي القمعي .
حقاً لقد كان ذلك خطأً محضاً كشفت عنه الممارسة العملية ...
لقد كان ذلك تجاهلاً للتوازنات الخارجية التي ولابد ستتدخل ولو بعد حين لحسم الموقف من هؤلاء الشباب ، لإجابة السؤال المحوري :
مع من ؟ و ضد من ؟؟؟؟
أعترف الآن أن موقفي هذا كان خطأ ..
إذ تجاهلت قواعد علمية ومنطقية هامة وبدهية مثل : أنه لا يجوز التعامل مع الواقع الجزئي مع عزله عن الواقع الكلي ، وأن جميع الظواهر والأشياء متأثرة بنفسها مؤثرة في غيرها . كان ذلك الخطأ سبباً في تأجيل المواجهة وارجاء الحوار وتسويف إيجاد الرؤية المتكاملة والخط السياسي الواضح للحركة .كنا جميعاً شركاء في هذا الخطأ ، ولكني أحمل نفسي عبئاً أكبر لفارق السن والخبرة في الممارسة السياسية .
شارك في ذلك أيضاً أشياء أخري كثيرة .. منها الألفة الناتجة عن المشاركة في العمل ( حتي ما كنت أسميه صراحة أنشطة كرنفالية ) والاستلطاف الشخصي وغيرها ..
لقد كنت أتجاوز عن تعبيرات كثيرة تحمل أخطاء فادحة مثل التغيير من أجل التغيير ، وما بعد الايديولوجيا ، وغيرها ...
بل وصل الأمر إلي الانغماس في الخطأ لدرجة أني كنت أقبل بالتعبيرات الملتبسة مثل ( التغيير اللا عنيف ) وأعتذر لنفسي بأن هذا تاكتيك معروف ولا يؤثر في الاستراتيجية الثورية المتمثلة في العصيان المدني العام الهادف للتغيير الجذري ، لقد كان الخطأ أنني كنت أعرف ذلك وحدي بينما الكثير كان للأسف خاضع لشعار الخادع .
لنعود إلي المبادئ و القواعد التي تم خرقها من خلال ادعاء أننا نهتم بالقضايا الداخلية فقط ..
لا يمكن بأي حال ادعاء أن النظام القائم مستمر في مكانه منذ عقود بسبب قوته الذاتية وثبات أقدامه علي أرض الحكم والقانون ، بل الواقع المتفق عليه أن هذا النظام بشخوصه ومؤسساته يعانون من الضعف الوجودي والقانوني ، بل والكراهية العامة من عموم الشعب الذي تتدهور حالته يوما بعد يوم في ظل هذا النظام ، وتحولت أجهزة الأمن من أجهزة تحمي القانون إلي آلة قمع لحماية مؤسسة واحدة ارتفعت فوق الشعب والقانون .
ويبقي الشعب تحت ضغوط الافقار والتجهيل والقمع والإدارة بالفساد... مما همش تلقائيا دور الاحزاب والمثقفين ..
هذا دون ما نتج من دوائر حول أصحاب السلطة من الفاسدين وأصحاب المصالح والمستفيدين...
هذا هو الجزئي ( الداخلي ) الذي كنا نضعه في محور الاهتمام مفصولاً عن الكلي ( الخارجي ) وهو المصالح والأوضاع والتوازنات الدولية وواضح أن أهل السلطة والمستفيدين من الوضع القائم خلال سعيهم للبقاء في أماكنهم أطول فترة ممكنة لا يعالجون فقط شئون السياسة والاقتصاد الداخلية بل هم يواجهون صراعات خارجية وتوازنات اقليمية إن أغفلوها أودت بهم في بضع ساعات ..
إن التحالف الصهيوني يرمي إلي تخطيط جديد للعالم العربي من خلال شرق أوسط كبير ،فبعد أن قيد الحكومات العربية بالهزائم والمفاوضات والمعاهدات وجد إن هذه الحكومات الهشه علي الكراسي والعروش العربية ليس لديها الضمانة الكافية لأمن اسرائيل ، ولهذا التجأ العدو إلي وسيلة أكثر واقعية وهي تخريج جيل جديد من العرب لا يكره أمريكا ولا يعادي الصهيونية ، لن يكون ذلك من خلال السلطة التي حازت كراهية العرب التامة ولكن من خلال السلطة الجديدة وهي ( المجتمع المدني ) ، ومن خلاله تستطيع أجهزة مخابرات الولايات المتحدة اختراق المجتمعات المستهدفة تحت أسماء مختلفة كدعم الديمقراطية وحقوق الانسان وحوار الحضارات وغيرها من المنظمات التي تهدف إلي دمج اسرائيل والعرب في كيان واحد وخلق جيل يقر عمليا بالهيمنة الامريكية و يعترف كذلك بالكيان الاسرائيلي .
وبالفعل كان هذا هو الخلل ..
كان لابد من طرح أسئلة عن :
هل يمكن فصل مصر داخليا عن الصراع العربي الصهيوني ؟؟
هل يمكن العمل علي التغيير في مصر داخليا دون حساب للهيمنة الامريكية ومصالحها في المنطقة العربية ؟؟
هل يمكننا تجاهل التناقضات الداخلية في تحالف الثروة والسلطة الموالي جميعه للولايات المتحدة ؟؟؟
هل يمكن التعامل مع منظمات المجتمع المدني مع إغفال مصالح الدول المانحة للدعم وأجندات الدولة المديرة لهذه المنظمات ؟
وبدأت ملامح الصراع تحتدم منذ أيام سبقت الاعتداء الصهيوني وما سمي بمعتقلي غزة كان منهم محمد عادل وأحمد الكردي وضياء جاد وعبدالعزيز مجاهد ، ثم جاءت الحرب علي غزة وتلاه الموقف من المقاومة عموماً واللبنانية خصوصاً الذي أثاره قضية حزب الله في مصر ثم اعتقال أحمد دومة والأستاذ مجدي أحمد حسين ...كل هذا وهناك تيار في الحركة يرفض المشاركة تماماً اعتذاراً بأن هذه شئون خارجية وهؤلاء ( المقصود هو محمد عادل و ضياء جاد وأحمد دومة وأحمد الكردي ومجدي حسين ) ليسوا أعضاءاً في الحركة ، ومع كل ذلك تأخرت المواجهة ، وكان كل ما ندفع إليه هو تأجيل المواجهة (الذي أخطأنا فيه جميعاً) حفاظاً علي الكيان الذي أصبح الآن عبئاً علي كل المشاركين فيه ..
وما تلا ذلك من أحداث هو أكبر دليل علي صحة ما أري ...
إن أي حركة سياسية لا تقوم علي مبدأ و وقوام فكري واضح من منطلقات وأهداف وأسلوب عمل هي حركة قصيرة العمر مآلها التفكك والانحلال أو أن تتحول إلي دكانة لجلب الرزق لأفرادها فتفقد مصداقيتها السياسية والشعبية ..
كان هذا هو الاعتراف
أما الاعتذار فهو للزملاء الكرام الذين شاركونا المواقف (حملة شعار لن تمروا) ، وإلي اًلذين اختلفت معهم وظللنا رفاقا في الدرب ، لم تعد ظروفي الصحية ولا النفسية تحتمل الاستمرار ،أشكركم وأعتذر لكم ، بارك الله في خطواتكم ،، سنلتقي إن شاء الله .
No comments:
Post a Comment